(Ponzi Schemes) "مخططات "بونزي

د. نضال الشعار - كبير الإقتصاديين

2024-03-28 14:25:45

                                                              "جمع الأموال الاحتيالي"

مقدمة

يعود تعبير مخطط بونزي (Ponzi Scheme) إلى من مثل وإدعى بأنه رجل أعمال. إنه الإيطالي "تشارلز بونزي" وذلك في عام 1919 بسبب الأعمال المالية الاحتيالية التي قام بها والتي شكلت فضيحة كبرى للجهات الحكومية الرقابية ولمجتمع الأعمال ككل. لا شك أن أعمال الاحتيال والنصب هي أعمال قديمة وكتب التاريخ أتت على ذكر الكثير من هذه الأعمال بشكل خاص التجارية منها والتي تخص عمليات الاستيراد والتصدير، حيث تروي لنا هذه الكتب تجاراً استطاعوا جمع الأموال من محيطهم وعداً بالقيام بتجارة عبر البحار وتحقيق إيرادات مرتفعة ومنهم من اختفى بعد جمع هذه الأموال.

ومازالت هذه القصص تظهر لنا من حين إلى أخر. وبالرغم من تطور الضوابط وشدة الرقابة، يبدو أن هناك دائماً ثغرات ينفذ من خلالها أصحاب النفوس المريضة ويكون ضحيتها الكثير من الأبرياء وأيضاً من الطامعين في ربحٍ سهل وسريع. وفي منطقتنا حصل ذات الشيء مع ما يسمى ب (جامعي الأموال). وما حصل في مصر وسورية من قبل هؤلاء الأشرار ونتائج أعمالهم كانت الدمار لمن صدقهم، وهذا خير شاهد على أن الخداع والغش لا ينحصران في مناطق محددة إنما هما موجودان في كل الأماكن. وهنا يأتي دور الدولة لحماية مواطنيها من هكذا شرور وايقاع العقاب بمن قام بذلك من جرائم في حق الأبرياء والمحتاجين.

في هذه المقالة، سنحاول وبشكل مبسط شرح العالم المعقد والشرير لمخططات بونزي، وسنكشف عن طبقاته المعقدة ونسلط الضوء على أعماله الداخلية. ونحاول تقديم أراء حول الآثار المترتبة على هذه المخططات وتزويد المستثمرين (المودعين) بالتدابير الوقائية اللازمة لحماية استثماراتهم.

 تعريف مخطط بونزي

مخطط بونزي في جوهره هو عمل احتيال مالي خادع يقوم على مبدأ "سرقة زيد والدفع لعمر". مخطط بونزي هو عملية احتيال استثمارية حيث يتم استخدام رأس مال المستثمرين الجدد لدفع عوائد للمستثمرين السابقين، وليس من خلال الأرباح التجارية المشروعة. يقوم المخطط بعملية اقناع المستثمرين إلى الاعتقاد بأن الأرباح تأتي من مبيعات المنتجات أو ريع أدوات استثمارية أخرى، بينما في الواقع فهي تأتي من مساهمات المستثمرين الجدد.

اقتصادياً وحسابياً النظام مقدر له أن ينهار لأن الأرباح إن وجدت، ستكون أقل من المدفوعات للمستثمرين وبالتالي فإن مدة صمود هكذا نظام محدودة زمنياً ومالياً، هذا بالإضافة إلى أن صاحب المخطط سيقوم باقتطاع نصيبه من هذه العمليات وتخزينه والتباهي به بالبذخ أو استخدامه لجذب عدد أكبر من المستثمرين (المودعين) وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تسارع الانهيار والذي هو نتيجة حتمية.

خطوات مخطط بونزي

أولاً: إغراء المستثمرين 

عادة ما يغري المنظمون المستثمرين الجدد من خلال وعدهم بعوائد عالية مع القليل من المخاطر أو بدونها. قد يرى المستثمرون الأوائل هذه العوائد، حيث يتم تمويل مدفوعاتهم من قبل الوافدين الجدد. غالبا ما يشجع هذا النجاح الواضح على المزيد من الاستثمارات، مما يديم عمر المخطط.

ثانياً: الانهيار الحتمي

ومع ذلك، ينهار المخطط عندما تتجاوز العوائد المستحقة للمستثمرين السابقين الأموال التي يجلبها المستثمرون الجدد. سيختفي المنظمون لهذا المخطط بعد ذلك، تاركين وراءهم سلسلة من الفوضى المالية والمستثمرين المذهولين من الخسائر كبيرة التي تعرضوا لها من خلال الانضمام إلى هذا المخطط.

أمثلة مخطط بونزي

مخطط بونزي الأصلي: تشارلز بونزي 1919

في عام 1919 وعد تشارلز بونزي، والذي يحمل اسم هذا المخطط المستثمرين بعائد بنسبة 50٪ في غضون 45 يوما. وادعى أنه يستغل التناقضات في أسعار كوبونات تكلفة الإجابة على الرسائل الدولية المستخدمة في مؤسسات البريد في الخارج. وهذه الكوبونات هي عبارة عن وثائق يشتريها المرسل ويضعها في رسائله لكي يمكن مستلم الرسالة بالرد دون تكلفة، وتخول حاملها باستبدالها بطوابع بريدية رسمية لدى مكاتب البريد الحكومية حول العالم.

استخدامها وقبولها كان عالمياً ويمكن إعادة بيعها، ولكن بسبب التفاوت الكبير في المستوى العام للأسعار بين الدول وتفاوت أسعار الصرف آنذاك، كان من الممكن الحصول على ذات الكوبون من بلد أخر بسعر أقل ومن ثم بيعه في بلد سعره فيها كان أعلى. الجدير بالذكر بأن هذه الكوبونات انتهت قانونياً في عام 2012. هذه الآلية حفزت بونزي لاستغلال فوارق السعر، ولكنه لم يفعل ذلك واكتفى فقط باستلام المال والوعد بأرباح هائلة، وكان يدفع عوائد باستخدام رأس المال الذي كان يحصل عليه من مستثمرين جدد. انهار مخططه في غضون عام، مما تسبب في خسائر مالية فادحة للمستثمرين وحكم عليه بالسجن وخرج منه، ولكنه عاد إلى اختراع طرق جديدة في الاحتيال وبالنهاية توفي في مجمع خيري وحيداً.

استثمارات مادوف المزيفة

قام "برنارد مادوف" بتنظيم أحد أكثر مخططات بونزي شهرةً بالاحتيال على المستثمرين بمليارات الدولارات وعلى مدى عقود. وعد مادوف المستثمرين بعوائد ثابتة وعالية من خلال استراتيجيته التجارية (السرية) في البورصة والعقارات وغيرها. ولكن في الحقيقة لم يكن هناك تداول فعلي، وقام بدفع العوائد باستخدام رأس مال المستثمرين الجدد. استطاع مادوف الاستمرار في هذا المخطط الاحتيالي لفترة طويلة. ولا أستبعد احتمال وجود أشخاص مؤثرة في القطاع المالي والذين ساعدوه على الاستمرار. ولكن وبحلول الأزمة المالية لعام 2008 انهار المخطط وعندما لم يعد مادوف قادراً على تحمل عبء المدفوعات، استسلم وانكشفت خدعته. بلغت مجمل قيمة احتيالات مادوف 20 مليار دولار نقداً و65 مليار دولار أوراق مالية وأكثر من 41 ألف ضحية وحكم عليه بالسجن 150 عام.

شركة زييك (Zeek Rewards) للمزادات 

وعدت شركة (Zeek Rewards)، وهي شركة تدير موقعا إلكترونيا للمزادات، المستثمرين بعوائد كبيرة من خلال المزادات واقتناص فرص تدني الأسعار. أغلقت هيئة الأوراق المالية والبورصات (Zeek Rewards) في عام 2012، واصفةً إياها بأنها مخطط بونزي بقيمة 600 مليون دولار. وعلى نفس الطريقة استخدمت الشركة أموالاً من مستثمرين جدد لدفع عوائد إلى المستثمرين السابقين، في حين لم يتم تحقيق إيرادات كبيرة من الأعمال الفعلية.

ملامح مخططات البونزي وطرق اكتشافها

  • عوائد عالية مضمونة: كن حذرا من الاستثمارات التي تعد بعوائد عالية بدون مخاطر. عادة ما تأتي العوائد المرتفعة مع مخاطر عالية.
  • عوائد مستمرة وغير متقطعة: الاستثمارات التي تحقق عوائد إيجابية باستمرار على الرغم من تقلبات السوق غير واقعية وتتطلب التدقيق.
  • الاستراتيجيات المعقدة: إذا كانت استراتيجية الاستثمار غير واضحة أو معقدة للغاية بحيث لا يمكنك فهمها، فقد تكون غطاء للأنشطة الاحتيالية.
  • الاستثمارات غير المسجلة: غالبا لا يتم تسجيل الاستثمارات غير المشروعة لدى الهيئات التنظيمية. تأكد وتحقق من صحتها.
  • مشاكل في المدفوعات: التأخير في تلقي المرتجعات أو الصعوبات في سحب أموالك هي علامات حمراء صارخة.

تجنب مخططات البونزي

  • البحث والتحقق: قبل الاستثمار، قم بإجراء بحث شامل والتحقق من شرعية فرصة الاستثمار والكيانات المعنية.
  • اطلب المشورة المهنية: استشير المستشارين الماليين لتقييم جدوى وشرعية الاستثمار وإن كان في ذلك تكلفة.
  • تنويع الاستثمارات: ابحث وتأكد من تنويع الاستثمارات المعروضة والذي يمكن أن يخفف من المخاطر المحتملة.
  • كن متشككاً: اعتمد نهجاً متشككاً تجاه العروض التي تبدو مربحة للغاية وتشكك في جدوى العوائد الموعودة.
  • الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة: إذا واجهت أو تم الاتصال بك من قبل مخطط بونزي محتمل، قم بإبلاغ السلطات التنظيمية بذلك.

تأثير مخططات بونزي على الاقتصاد

يمكن أن يكون لمخططات بونزي آثار بعيدة المدى على الاقتصاد. ويمكن أن تؤثر مثل هذه المخططات على قطاعات مختلفة، وتؤثر على سلوك المستثمرين، وتزعزع استقرار الأسواق المالية، وتؤثر على الاستقرار الاقتصادي. ومن أهم آثارها ما يلي:

تقويض ثقة المستثمرين

عندما يتم الكشف عن مخططات بونزي، فإنها يمكن أن تقوض بشكل كبير ثقة المستثمرين في الأسواق المالية. يمكن أن تؤدي الخدع والخسائر المالية التي يتعرض لها المستثمرون إلى التشكيك والإحجام عن الانخراط في فرص الاستثمار المستقبلية، حتى تلك المشروعة منها.

اضطراب الأسواق المالية

يمكن لمخططات بونزي أن تشوه الأسواق المالية عن طريق تحويل الاستثمارات من المشاريع المشروعة إلى المخططات الاحتيالية. هذا الاحتيال في تخصيص رأس المال يمكن أن يعيق نمو الأعمال الحقيقية ويعطل الأداء الطبيعي للأسواق المالية.

التأثير على الاستقلال المالي الفردي

غالباً ما يعاني ضحايا مخططات بونزي من خسائر مالية مدمرة، مما قد يؤدي إلى أزمات مالية شخصية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، والذي يمكن أن يؤثر وعلى نطاق أوسع على النمو الاقتصادي والاستقرار.

الأعباء القانونية والإدارية

يضع الكشف عن مخططات بونزي والتحقيق فيها ومقاضاتها عبئا كبيرا على الأنظمة القانونية والتنظيمية. إذ يمثل تحويل الموارد لإدارة تداعيات هذه المخططات وإجراء التحقيقات وتقديم التعويض للضحايا، كلفة مالية كبيرة للمواطنين العاديين دافعي الضرائب.

خلق بيئة الخوف وتجنب المخاطر 

يمكن أن تؤدي مخططات بونزي إلى خلق بيئة تتجنب المخاطرة بين المستثمرين وعامة الناس. قد يؤدي الخوف من مواجهة مخطط احتيالي آخر إلى ردع الأفراد والكيانات عن الاستثمار، وبالتالي تقليص رأس المال المتاح للشركات والمشاريع.

الأثار الاجتماعية والنفسية

بالإضافة إلى الآثار المالية، يمكن أن يكون لمخططات بونزي آثار اجتماعية ونفسية على الضحايا والمجتمع ككل. يمكن أن يكون للصدمات المرتبطة بالخسارة المالية آثار صحية وتآكل النسيج الاجتماعي من خلال زعزعة الثقة داخل المجتمع.

في الملخص، مخططات بونزي، على الرغم من اختلافها في مدتها وطبيعتها وجغرافيتها، إلا أنها في النهاية قصيرة الأجل في سياق الاستثمارات والأعمال المشروعة. ويحكم تواجدها عدة عوامل منها القدرة على تجنيد مستثمرين جدد، والظروف الاقتصادية السائدة، ويقظة الهيئات التنظيمية. وبغض النظر عن مدتها، فإن مخططات بونزي مقدر لها أن تفشل، مولدةً دماراً مالياً وثقة ضعيفة.

 

تنبيه: هذا المحتوى هو معلومات تعبر عن رأي كاتبها فقط ولا يشكل نصيحة مالية أو إستثمارية، ولا تقدم شركة (ACY) أي تعهد أو ضمان فيما يتعلق بدقة أو إكتمال المعلومات المقدمة من قبل كاتب المحتوى، ولا تتحمل أي مسؤولية عن أي خسارة ناجمة عن أي إستثمار قائم على توصية أو تكهن أو معلومات مقدمة في هذا المحتوى.

 

Yazar

يعد الدكتور نضال الشعار شخصية مميزة في القطاعات المالية والإقتصادية وفي الأوساط الأكاديمية. شغل د. نضال منصب وزير الإقتصاد والتجارة في سوريا، ولديه خبرة واسعة في الأسواق والمؤسسات المالية، حيث شغل مناصب بارزة في شركات (Fannie Mae) و(Johnson & Higgins)  في واشنطن العاصمة.

يشتهر د. نضال بشكل خاص بعمله مع منظمة (AAOIFI) الدولية، حيث شغل منصب الأمين العام ومسؤولية تنظيم صناعة التمويل الإسلامي على مستوى العالم. د. نضال هو معلم ذو خبرة وكان أستاذاً مساعداً للإقتصاد والتمويل في جامعة (جورج واشنطن)، وقد ألف العديد من الكتب والمقالات العلمية في مجال البنوك والأسواق المالية.

حصل د. نضال على العديد من الجوائز التقديرية لعمله، حيث حصل على جائزة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتميز المصرفي في عام 2006 وتم تكريمه لمساهماته في تطوير الاقتصاد والتمويل الإسلامي، بما في ذلك ترشيحه مرتين لجائزة نوبل.

Fiyatlar sadece gösterge niteliğindedir