هل يمكن لليوان الصيني أن يحل محل الدولار الأمريكي؟

د. نضال الشعار - كبير المستشارين الإقتصاديين

2023-04-18 09:40:47

يحتل الليوان الصيني الآن المركز الثالث في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. وأكثر من 80 دولة حول العالم تستخدم الليوان جزئياً كعملة احتياطية، مما يجعله خامس عملة احتياطية رئيسية، ومن المتوقع أن يشهد الليوان نمواً مستمراً كعملة دولية في التعاملات التجارية والنقدية.

لقد أدت الصراعات الجيوسياسية الأخيرة والرغبة المتسارعة من قبل بعض الدول في البحث عن نظام نقدي دولي أكثر تنوعًا إلى تسريع هذا الإتجاه وظهور الليوان كعملة أساسية. فعلى سبيل المثال، بلغت حصة الليوان الصيني في معاملات الصرف الأجنبي الروسية مستوى قياسياً جديداً في شهر مارس. فبحسب بيانات البنك المركزي الروسي، بلغت نسبة زوج العملات الليوان-الروبل 39% من قيمة التداول في البورصة الروسية، في حين انخفضت نسبة زوج الدولار الأمريكي-الروبل إلى أدنى مستوى لها في عدة سنوات عند 34%. أما التجارة الثنائية بين الإتحاد الروسي والصين فقد تجاوزت 190 مليار دولار في عام 2022 وهو الأعلى، بزيادة قدرها 29.3% على أساس سنوي. كما بدأت البرازيل وبنغلادش في قبول التسويات التجارية والإستثمارات بالليوان الصيني مع عملاتهما الخاصة بدلاً من الدولار. كما تناقش الصين والمملكة العربية السعودية إمكانية قبول الليوان كوسيلة دفع لجزء من صادرات النفط.

إن الرغبة في قدر أكبر من الإستقلال المالي وتقليل الإعتماد على النظام المالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ليست جديدة، فقد تعرضت هيمنة الدولار إلى التشكيك عدة مرات. بدايةً بعد انهيار نظام بريتون وودز في 1970، وإطلاق اليورو من قبل الإتحاد الأوروبي في عام 1999 والأزمة المالية 2008-2009. ولكن على الرغم من هذه التحديات، تمكن الدولار من الصمود في وجه هذه العواصف. فلا يزال الدولار يهيمن على المعاملات في السوق التجارية الروسية ومازال العملة الأكثر استخداما في العالم إذ تتجاوز نسبة التداول بالدولار 60% من مجمل التداولات العالمية. 

ولكن ما يحدث حالياً من حراك سياسي واقتصادي قد يشكل تحدياً أمام قدرة الدولار في الاستمرار كالعملة الإحتياطية الأولى. كما أن الإنخفاض المتزايد في الطلب على الدولار سيؤثر سلباً على سعر صرفه أمام العملات الأخرى مما يؤدي إلى التضخم ومشاكل إقتصادية عديدة في الولايات المتحدة والدول التي تعتمد على الدولار كعملة إحتياطية. بالإضافة إلى تأثيرات أخرى في أسعار المواد الأساسية كالذهب والبترول. 

السؤال الآن هل يمكن لليوان الصيني أن يحل محل الدولار في التداولات العالمية؟

لا أعتقد أن ذلك ممكن على المدى القصير أو المتوسط لأسباب إقتصادية وسياسية متعددة. فخلافًا لأغلب الإقتصادات المتقدمة في مختلف أنحاء العالم، لا تملك الصين نظام سعر صرف مرن تحدد بموجبه قوى السوق قيمة عملتها. فمن عام 1994 إلى عام 2005، ربطت الصين عملتها بحوالي 8 ليوان مقابل الدولار.

ثم بدأت في السماح لعملتها بالارتفاع قليلا مقابل الدولار ضمن حد ثابت قبل أن تحول ربطها إلى سلة من عدة عملات يستخدمها شركاءها التجاريين الرئيسيين ومن ضمنهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي ما زال الدولار له النصيب الأكبر في هذه السلة. ومازالت الصين وإلى الآن تستثمر أكثر من تريليون دولار في سندات الخزينة الأمريكية. إضافة إلى ذلك فإن الصين تعاني من تطبيق القيود النقدية وضوابط رأس المال وتدخل القرار السياسي المباشر في السياسة النقدية والتي بدورها تزيد من مخاطر السيولة. هذه المخاطر تشكل مانع أساسي لبعض الدول والشركات من الاحتفاظ بالليوان الصيني. إذ أنه من الطبيعي أن تقوم البنوك المركزية بتقليل مخاطر السيولة عند تقييم العملات التي يجب الإحتفاظ بها كإحتياطي، وبالتالي سيبقى الدولار كنقد سائل مع سندات الخزانة الأمريكية كإستثمار آمن وأكثر استقراراً وسيولًة في مركز الصدارة في التعاملات الدولية وتشكيل واختيار الإحتياطات النقدية.

في كل الأحوال، لا يمكننا أن ننفي أن الدولار الأمريكي يتعرض حالياً إلى ضغوطات كبيرة قد يكون لها تأثيراً مهماً والذي قد يكون سلبياً في سعر صرفه أمام العملات الأخرى.

المؤلف

يعد الدكتور نضال الشعار شخصية مميزة في القطاعات المالية والإقتصادية وفي الأوساط الأكاديمية. شغل د. نضال منصب وزير الإقتصاد والتجارة في سوريا، ولديه خبرة واسعة في الأسواق والمؤسسات المالية، حيث شغل مناصب بارزة في شركات (Fannie Mae) و(Johnson & Higgins)  في واشنطن العاصمة.

يشتهر د. نضال بشكل خاص بعمله مع منظمة (AAOIFI) الدولية، حيث شغل منصب الأمين العام ومسؤولية تنظيم صناعة التمويل الإسلامي على مستوى العالم. د. نضال هو معلم ذو خبرة وكان أستاذاً مساعداً للإقتصاد والتمويل في جامعة (جورج واشنطن)، وقد ألف العديد من الكتب والمقالات العلمية في مجال البنوك والأسواق المالية.

حصل د. نضال على العديد من الجوائز التقديرية لعمله، حيث حصل على جائزة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتميز المصرفي في عام 2006 وتم تكريمه لمساهماته في تطوير الاقتصاد والتمويل الإسلامي، بما في ذلك ترشيحه مرتين لجائزة نوبل.

الأسعار إرشادية فقط